إنني مدرس متخصص بالمستشفى، وقد أرهقني سؤال يراودني منذ بضعة أيام فلم أعد استطيع النوم واستغيث بكم ! تتوقف درجة حرارة غليان الماء على الارتفاع بما أنها تتوقف على الضغط وكذلك درجة حرارة تجمد الماء ينبغي منطقيا أن تتوقف على الارتفاع؟ ومع ذلك فالكل يخبرني أن الماء يتجمد دوما عند درجة حرارة صفر إذا كان ماءا نقيا... فما هي إذاً القواعد الأساسية التي تتحكم في تحولات الماء تبعا للضغط؟

تتوقف درجة حرارة ذوبان الثلج (الانتقال من الحالة الصلبة إلى الحالة السائلة) على الضغط الجوي ولكن بشكل ضعيف حيث يستلزم لتغيير درجة حرارة الذوبان لبضعة درجات فقط تغير هائل في الضغط؛ وننجح في المعمل في "نقل" هذا التحول ثلج-ماء من -٢٠° إلى +٩٠° ! وبطريقة غريبة تنخفض درجة الحرارة هذه عند ارتفاع الضغط أولا ثم ترتفع بعد ذلك! فالماء سائل شائع ولكن تصعب دراسته! ويؤثر الضغط في التحول (سائل-غاز) بطريقة أقوى من تأثيره على (التحول صلب-سائل).

تتوقف درجة حرارة ذوبان الماء (الانتقال من الحالة الصلبة إلى الحالة السائلة) نظريا على الضغط مثلها مثل درجة حرارة الغليان (الانتقال من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية)؛ وتبعا للتعريف فإن درجة حرارة ذوبان الماء تساوي صفر تحت ضغط جوي يساوي ١٠١٣٣٠ بسكال، وتحت ضغط جوي ٦١١ بسكال وهو ضغط النقطة الثلاثية للماء (النقطة الثلاثية هي الزوج الوحيد من القيم لكل من الضغط والحرارة الذي يكون عندهما الثلج والماء السائل وبخار الماء في توازن معا) تساوي درجة حرارة ذوبان الماء ٠.٠١ أى فرق واحد من مئة من الدرجة لضغط أقل مئة مرة، بمعنى أنه من الممكن تجاهل التأثير الفعلي للتغير في الضغط على قيمة نقطة ذوبان الماء على عكس تأثيره في قيمة نقطة غليانه، ويمكن شرح هذه الظاهرة عن طريق ملاحظة أن تأثير الضغط في التوازن بين الأجسام المكثفة (السوائل والأجسام الصلبة) ضعيف بينما يكون قويا على التوازن بين المرحلة الغازية والمرحلة المكثفة (ثلج أو سائل وبخار)، ومع ذلك توجد تجربة بسيطة لتوضيح تأثير الضغط في درجة حرارة ذوبان الثلج: فلنأخذ لوح ثلج (إذا كان لا يزال موجودا حتى الآن حيث لا نجد حاليا سوى الثلج المجروش كما نأخذ سلكا معدنيا كالذي يستخدم لتقطيع الزبدة ولنعلق بطرفي السلك ثقلا (١-٢ كجم)، ثم نضعه فوق الثلج على شكل حدوة حصان فنشاهد بعد مرور فترة من الوقت اختراق السلك للثلج وسقوطه دون انقطاع لوح الثلج؛ التفسير: أدى ارتفاع الضغط إلى انخفاض ضئيل في درجة حرارة الذوبان (أو بطريقة أخرى يحابي ارتفاع الضغط السائل على حساب المادة الصلبة في حالة الماء لأن حجم الثلج يفوق حجم الماء – فالثلج يطفو بالماء) فيؤدي السلك إلى ارتفاع الضغط على الثلج مما يصاحبه انخفاض في درجة الحرارة التي يذوب عندها الثلج، وبما أن درجة الحرارة التي يفرضها لوح الثلج وهي صفر أعلى من درجة الحرارة الجديدة للذوبان الناتجة عن الضغط يذوب الثلج عند مستوى السلك الذي ينغمس في لوح الثلج وينتقل الماء السائل الناتج عن ذلك فوق السلك فيستعيد الضغط الطبيعي من جديد وبالتالي يستعيد أيضا درجة حرارة التجمد الطبيعية وهي الصفر، وبما أن درجة الحرارة المحيطة مازالت صفرا فإن الماء السائل يتجمد ويستمر السلك في الغوص مسببا ذوبان الثلج الذي يتجمد من جديد، فنحن لا نتحدث هنا عن قطع ميكانيكي وإنما عن تغير في الحالة ناتج عن تغير درجة حرارة ذوبان الثلج مع الضغط.

تخضع كل التغيرات في حالة المادة تبعا للحرارة إلى نفس القانون الموجود بكتب الفيزياء تحت اسم "كلوزيوس-كلابيرون" (تحيا الصداقة بين ألمانيا وفرنسا!)، ومع ذلك نشعر بتأثيره بطريقة أقل عند التجمد مقارنة بالتبخر، وبالتالي فإن التغير في درجة حرارة التجميد بمقدار -١° يقابلها زيادة في الضغط بمقدار عشرات أضعاف الضغط الجوي! لذا تبدو درجة حرارة تجمد الماء ثابتة نتيجة شبه ثبوت الضغط على سطح الأرض.، ولنتذكر أن السلوك الخاص بالماء والذي يتضمن انخفاض درجة حرارة التجمد عند ارتفاع الضغط يخالف الأجسام الأخرى ويرجع ذلك إلى أن حجم كتلة الثلج عند درجة حرارة صفر أعلى من حجم الكتلة من الماء (السائل) عند الصفر.

تتأثر درجة حرارة غليان الماء بالضغط لأن أحد المكونين المتضمنين غازا (البخار في حالة حدوثه) والذي يصاحبه تغير كبير في الحجم وفي المقابل عندما ننتقل من الثلج إلى الماء يكون التغير صغيرا وبالتالي فتأثير الضغط يكون أضعف بكثير.

يناظر الغليان الانتقال من الماء السائل إلى الحالة الغازية حيث تمنح الحرارة المكتسبة عن طريق التسخين لجزيئات الماء طاقة كافية تسمح لها بالتحرر من الروابط التي تصل بين بعضها البعض، فيبتعد الماء المتبخر بطريقة أسهل عن الماء السائل مما يؤدي إلى انخفاض ضغطه على سطح السائل (تتكون الحالة الغازية بجوار الماء المغلي من بخار الماء فقط ويمكن أن القول أن هناك توازناً عند السطح الفاصل بين الماء-السائل وهو يتوقف على ضغط الحالة الغازية)، فعندما ينخفض ضغط الغاز أعلى السائل يصبح من الأسهل على جزيئات الماء مغادرة السائل وتصبح كمية الحرارة اللازمة لتزويدها بالطاقة الحركية اللازمة لذلك أصغر وبالتالي تنخفض درجة حرارة الغليان؛ ويناظر كل من ذوبان الثلج وتجمد الماء توازنا بين الماء السائل والماء الجامد ولا يستطيع الضغط في هذه الحالة إلا التأثير بشكل ضعيف في هذه الظاهرة لانعدام تأثيرها في المواد الصلبة والسائلة التي تكاد تكون غير قابلة للضغط؛ وبالتالي فلا تأثير للارتفاع في درجة حرارة تجمد الماء.